عين على حكم محكمة العدل العليا حول تشكيل النقابات

إعداد: علاء بشار ظريفة

أصدرت محكمة العدل العليا بتاريخ 11/4/2016 قرارها في دعوى العدل العليا رقم 1/2015 والقاضي برد الدعوى حيث كان المستدعون قد تقدموا بهذه الدعوى للطعن في قرار مجلس الوزراء رقم (50/24/17/م.و/ر.ح) للعام 2014 الصادر بتاريخ 11/11/2014 والقاضي باعتبار نقابة العاملين في الوظيفة العمومية جسما غير قانوني ولا وجود له من الناحية القانونية، وكذلك في البيان الصادر عن ديوان الرئاسة بتاريخ 7/11/2014 بالإستناد الى ما صدر عن اللجنة الرئاسية بتاريخ 24/5/2012 أيضا الذي تضمن أن "ما يسمى بنقابة العاملين في الوظيفة العمومية ليست جسما قانونيا ولم تنشأ بأي مسوغ قانوني على الاطلاق بالتالي لا وجود لها من الناحية القانونية"، إضافة الى اجراءات جهاز الشرطة المتخذة بحق نقابة العاملين في الوظيفة العمومية والقاضية بإغلاق مقرها بالشمع الأحمر وقرار مدير عام الإدارة العامة لعلاقات العمل رقم 6421 الموجه بتاريخ 9/11/2014 الى السيد مدير البنك العربي والقاضي بتجميد حساب نقابة العاملين في الوظيفة العمومية المدنية.

وقد كانت الجهة المستدعية قد استندت في دعواها الى أن اللجنة التأسيسية للنقابة أودعت أوراقها لدى وزارة العمل في عام 2003 لتسجيل النقابة وفقا لأحكام القانون، وأن النقابة قد عقدت مؤتمرا تحت رعاية السيد الرئيس وبإشراف وحضور ممثلي عن وزارة العمل وتمت الموافقة على فتح حساب بنكي باسم النقابة، بالتالي فإن ذلك يعطي النقابة الشرعية والوجود القانوني الصحيح، أما المحكمة فمن جهتها اعتبرت أن وجود النقابة غير صحيح وليس متوافقا مع الأصول والقانون، على اعتبار أن النقابة يجب أن يكون لديها شهادة تسجيل وقانون ونظام مكتوبين ومصادق عليهم رسميا من الجهات والدوائر الحكومية الرسمية، وأن مجرد الإجتماع والتعامل مع الجهات الحكومية لا يضفي على النقابة الصفة الرسمية ولا يعطيها وجود قانوني معترف به، وأن ذلك لا يشكل سوى اعداد وتجهيز وبداية تأسيس النقابة، وعليه وحيث أنه لا يوجد أساس قانوني لهذه النقابة بالتالي فلا يكون لرافع الدعوى أي صفة لرفعها وإبداء دفاعه حولها ولا أي مصلحة تجيز له طلب الغاء القرارات محل الطعن مما يستتبع معه وجوب رد الدعوى.

وفي هذا الصدد وفي ظل صدور هذا القرار تثور عدة تساؤلات، فما هو مدى توافق حكم المحكمة مع أحكام القانون الأساسي وقانون العمل والمواثيق الدولية؟ وما هو مصير باقي النقابات العاملة في فلسطين؟ وما هي الأسباب وراء إصدار هكذا قرارات بعد المدة الزمنية الطويلة؟ وهل للخلاف الذي كان حاصلا بين الحكومة والنقابة أثر على المساعي الفلسطينية في المحافل الدولية؟

بداية وبالرجوع الى أحكام القانون الأساسي الفلسطيني، نجد أنه قد كفل للفلسطينيين الحق في تشكيل النقابات والجمعيات وفقا لأحكام القانون[1] ، وكذك الأمر بالنسبة لقانون العمل الفلسطيني الذي أعطى العمال وأصحاب العمل الحق في تشكيل منظمات نقابية على أساس مهني لرعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم[2] ، أما على الصعيد الدولي، فقد كفلت المواثيق الدولية أيضا الحق في تشكيل النقابات وحرية التنظيم النقابي كالإعلان العالمي لحقوق الانسان(1948) والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) والاتفاقية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي[3]

وعليه وباستقراء النصوص القانونية السابقة وللوهلة الاولى يتبادر الى الأذهان أن القرارات الطعينة مخالفة للقانون على الصعيدين المحلي والدولي وبالتالي يكون حكم محكمة العدل العليا في غير محله، إلا أنه وبالتدقيق نرى أن القوانين المذكورة قد كفلت الحق في تشكيل النقابات وأن الحكومة أيضا لم تنكر ذلك طالما أن ذلك كله ضمن الطريق الصحيح الذي رسمه المشرع، بمعنى وجوب توافر قانون خاص بالنقابة المراد تأسيسها وأن يتم تسجيلها وفق الأصول والقانون كما هو الحال بالنسبة لغيرها من النقابة كنقابة المحامين الفلسطينيين التي يحكمها قانون خاص بها، وأن ليس مجرد ايجاد تجمع عمالي يستتبع حتما وجود نقابة قائمة بالشكل السليم، لأن ذلك يعني فتح الباب على مصراعيه لقيام أي مجموعة بإيجاد نقابة خاصة بهم تحت مسمى معين دون وجود قوانين خاصة بها وناظمة لنشاطاتها، إضافة الى أن التجمع النقابي لا يُكتسب بالتقادم بمرور الزمن حتى وإن طالت الفترة الزمنية وإن تم العامل مع هذا التجمع النقابي وتم إيجاد حساب بنكي خاص به وغير ذلك من أوجه الاعتراف.

ومن ناحية أخرى، وبالرجوع الى أحكام قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001، نجد أنه قد اشترط المصلحة في رافع الدعوى،[4] إضافة الى وجوب توافر شرط الصفة في دعاوى الإلغاء، وحيث أن الصفة تختلف عن المصلحة فالصفة تعني إمكان رفع الدعوى قانوناً أو الصلاحية للترافع أمام القضاء كطرف في الدعوى، فالشخص قد يكون ذا مصلحة ومع ذلك يمتنع عليه مباشرة الدعوى بنفسه وفي مجال الأشخاص المعنوية صاحب المصلحة هو الشخص المعنوي، أما صاحب الصفة فهو ممثل هذا الشخص،[5] وحيث أنه قد تم التوصل الى عدم صحة وجود هذه النقابة بدايةً وحيث أن الدعوى قد أُقيمت من قبل المستدعين بصفتهم الشخصية بالتالي انتفاء توافر المصلحة والصفة اللتين اشترط القانون وجودهما مجتمعتين في دعاوى الإلغاء فيكون قرار المحكمة برد الدعوى متوافق مع أحكام القانون.

إن النظر الى طول الفترة الزمنية الممتدة ما بين بداية محاولة تشكيل نقابة العاملين في الوظيفة العمومية في عام 2003 وتاريخ صدور قرار مجلس الوزراء والبيان الصادر عن ديوان الرئاسة في عام 2014 القاضيين باعتبارها جسما غير قانوني يجعلنا نتساءل ما الذي دفع الحكومة والرئاسة الى اصدار هكذا قرارات بعد هذه الفترة؟ أشارت العديد من التحليلات الإخبارية الى أن المساعي لحل النقابة تأتي من إدراك السلطة بأن دورها قد انتهى، حيث أنها أسست لأغراض سياسة، [6]ومن جانب اخر فقد وجه بسام زكارنة-نقيب العاملين في الوظيفة العمومية انذاك- أصابع الاتهام تجاه رئاسة الوزراء التي أصبحت تجر الرئاسة في كل قضية،[7] وأرى أن ما دفع الحكومة والرئاسة الى الإقدام نحو تلك الخطوة واعتبار النقابة جسما غير قانوني هو أزمة الإضراب والخلافات التي كانت قد حصلت في تلك الفترة، فما كان من الحكومة والرئاسة الا أن يتخذوا هكذا إجراء واعتبار النقابة جسما غير قانوني للتخلص من الأزمة بأكملها.

وعلى الصعيد الدولي وحيث أن العالم ينظر نحو فلسطين كدولة تحاول تأسيس دولة ديمقراطية على أساس الوحدة السياسية والقضاء العادل والعمل النقابي السليم، فإن اتخاذ هكذا قرارات والطعن بها لدى محكمة العدل العليا قد يؤثر على المساعي الفلسطينية في المحافل الدولية، ومثال ذلك ما أكده أكبر حزب سياسي في السويد والذي اعترف بالدولة الفلسطينية بأنه لو كان يعلم بوجود هكذا خلافات لكن أجل اعترافه بالدولة الفلسطينية [8]

وبالنتيجة ونظرا الى ما تم التوصل اليه من مدى صحة حكم محكمة العدل العليا وفي ظل وجود العديد من الأجسام النقابية التي لا يحكمها قانون خاص بها في فلسطين، فإن ذلك قد يهدد وجودها فيما إذا استندت الحكومة والرئاسة مرة أخرى الى ذات الأسباب لاعتبار أي من هذه التشكيلات النقابية غير قانونيا مما يتسوجب عليها أن تقوم بتصويب أوضاعها القانونية على نحو يحافظ على وجودها وديمومتها.

الهوامش
[1] تنص المادة (26/2) من القانون الأساسي الفلسطيني 2003، المنشور في العدد (0) من مجلة الوقائع الفلسطينية على الصفحة رقم 5 بتاريخ 19/3/2003 م على أنه " للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادا وجماعات ولهم على وجه الخصوص الحقوق تشكيل النقابات والجعيات والاتحاات والروابط والاندية والمؤسسات الشعبية وفقا للقانون"
[2]تنص المادة (5) من قانون العمل الفلسطيني رقم 5 لسنة 2000 م، المنشور في العدد (39) من مجلة الوقائع الفلسطينية على الصفحة رقم 7 بتاريخ 25/11/2001 م.على أنه " وفقا لأحكام القانون للعمال وأصحاب العمل الحق في تكوين منظمات نقابية على أساس مهني بهدف رعاية مصالحهم والدفاع عن حقوقهم.
[3]تنص المادة (23/4) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 على أنه "لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم الى نقابات حماية لمصلحته" وتنص المادة (8/أ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على أنه " حق آل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التي يختارها..." وتنص المادة (2) من اتفاقية منظمة العمل الدولية من الاتفاقية رقم 87 على أنه " للعمال وأصحاب العمل، دون تمييز من أي نوع، الحق في إنشاء ما يختارونه هم أنفسهم من منظمات..."
[4] تنص الماة (3) من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001 المنشور في العدد(38) من مجلة الوقائع الفلسطينية على الصفحة رقم 5 بتاريخ 5/9/2001م. على أنه "لا تقبل دعوى أو طلب أو طعن لا يكون لصاحبه مصلحة قائمة فيها يقرها القانون"
[5] الدليمي، صعب ناجي عبود: الصفة والمصلحة في في الدعوى أمام القضاء الإداري. http://almerja.net/reading.php?idm=50044
[6] اسماعيل، عبير: نقابة العاملين في الوظيفة العمومية تتوجه لمحكمة العدل العليا
https://www.alhadath.ps/article/8229
[7] اسماعيل، عبير: مرجع سابق
[8] اسماعيل، عبير: مرجع سابق
المصادر:
  1. القانون الأساسي المعدل 2003، المنشور في العدد (0) من مجلة الوقائع الفلسطينية على الصفحة رقم 5 بتاريخ 19/3/2003 م.
  2. قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000 م، المنشور في العدد (39) من مجلة الوقائع الفلسطينية على الصفحة رقم 7 بتاريخ 25/11/2001 م.
  3. قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم (2) لسنة 2001 م، المنشور في العدد(38) من مجلة الوقائع الفلسطينية على الصفحة رقم 5 بتاريخ 5/9/2001م.
  4. الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948
  5. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام
  6. اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي.
مصادر الانترنت(الشبكة العنكبوتية)(Web Sites)
1-: http://almerja.net
  1. https://www.alhadath.ps

عدد القراءات: 491