الأجر المعتمد في حساب التعويض عن العجز الدائم

إعداد: رشدي هشام ابو حمد

حدد قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000 في المادة (120) منه التعويض عن العجز الدائم الناشئ عن اصابة العمل، حيث انه افرد له قاعدتين لذلك، الاولى تتمثل في تعويضا نقديا يعادل اجر (3500) يوم عمل، والثانية تتمثل في (80% من الاجر الاساسي عن المدة المتبقية حتى بلوغه سن الستين) ايهما اكثر[1].

وباستقراء نص المادة السابقة نجد ان المشرع قد اشترط على المصاب حتى يحصل على التعويض بموجب القاعدة الاولى ان يكون الاجر الذي يتقاضاه هو اجر اجمالي (الاساسي مضاف اليه العلاوات والبدلات)، وبالمقابل نجده قد اشترط لغايات الحصول على التعويض بموجب القاعدة الثانية هو ضرورة ان يكون الاجر الذي يتقاضاه هو اجر اساسي مجرد من العلاوات والبدلات.

ومن الجدير بالذكر ايضا، ففي حالة كان بالامكان فصل الاجر الاساسي عن الكامل وتحديد مقدار كل منهما، فهنا نستطيع ان نطبق نص المادة المشار اليها آنفا بحذافيرها وفقا للقاعدتين ايهما افضل للعامل.

ولا يعد هنالك اشكالية فيما لو تم اثبات ان الاجر الذي يتقاضاه العامل هو اجرٌ اساسي، او اجرٌ كامل( اجمالي)، ففي الحالة الاولى سيتقاضى التعويض بموجب القاعدة التي اشترطت ان يكون الاجر اجر اساسي كما تم بيانه سابقا، اما الحالة الثانية في حال ثبوت ان الاجر الذي يتقاضاه العامل هو اجرٌ كامل فهنا سيحصل على التعويض وفقا للقاعدة التي اشترطت وجوب ان يكون الاجر هو اجر كامل.

ولكن المشكلة تكمن فيما لو تم اثبات ان الاجر الذي يتقاضاه العامل هو مبلغ ثلاثة الالاف شيكل مثلا دون تحديد هل هو اجر اساسي ام كامل، كيف سيتم حل هذه المسألة؟ وهل يمكن اعتبار ان الاجر الذي يتقاضاه هو اجر اساسي؟ ام كامل؟ وهل الاصل بالاجر انه اساسي؟ ام الكامل؟ وعلى من يقع عبء اثبات ذلك؟

بادئ ذي بدء، وقبل الخوض في حيثيات الموضوع، يتوجب علينا ان نوضح ما هو الاجر الاجمالي والاجر الاساسي، حيث ان قانون العمل بصيغته الحالية قد عرف الاجر الاساسي على انه " هو المقابل النقدي و\او العيني المتفق عليه الذي يدفعه صاحب العمل للعامل مقابل عمله، ولا تدخل في ذلك العلاوات والبدلات ايا كان نوعها"، اما الاجر فهو " يعني به الاجر الكامل وهو الاجر الاساسي مضاف اليه العلاوات والبدلات"[2].

وارى بالاستناد الى ما ورد في التعريف السابق انه حيثما وجد كلمة اجر فأن ذلك يعني الاجر الاجمالي، الا اذا وردت كلمة اساسي فيكون هو المقصود بذلك.

وعليه، فقد اختلفت الاراء القضائية وتشعبت كثيرا واتجهت في سبيل ذلك الى اتجاهين لا ثلاث لهما، الاول ان الاصل في الاجر انه اجمالي[3] ، ومن خلال الدراسة المعمقة لحيثيات كل قرار من القرارات المشار اليهم على حدى، فانني رأيت بأنه لا يوجد اي قرار يبين السبب من اعتناقه لهذا الرأي، ولكن ومن خلال التمحص في حيثيات كل قرار بشكل منفرد فان استنادهم لهذا الرأي كان برجوعهم الى التعريف الوارد للاجر في المادة (1) فهو الاجر الاجمالي ( الاجر الاساسي مضافا اليه العلاوات والبدلات) ومن يدعي خلاف ذلك عليه يقع عبء اثباته استنادا للقواعد المعمول بها في الاثبات " على الدائن اثبات الالتزام وعلى المدين اثبات التخلص منه"[4].

اما الاتجاه الثاني[5] ، فقد توجه الى ان الاجر بالاساس هو اجر اساسي وعلى رب العمل اثبات انه يشمل العلاوات والبدلات، ولعل السبب في هذا التوجه يرجع الى المادة السادسة وتفسير هذا الغموض لمصلحة العامل سيما وانه الطرف الضعيف بالعلاقة التعاقدية.

ونظرا للتناقض الكبير بين احكام محكمة النقض الفلسطينية في هذا الاطار، مع عدم توضيح السبب في تبني الحكم لكل اتجاه، فما كان بوسعي الى ان ابذل قصارى جهدي حتى استطيع التوصل الى الغاية التي ارادها المشرع في هذا الاطار.

ولذلك فانني ارى بدايةً بأنه كان على المشرع ان يوضح هذه الاشكالية من خلال نص واضح في القانون حتى لا يؤدي الى فهم خاطئ في مجمله، وتجبر المحكمة في سبيل ذلك الى اللجوء لسياسة التخمين وفك تشفير الالغاز، وما ينشئ عن ذلك من اخلال بالتوازن العقدي بين طرفي هذا العقد، ولكن لا فائدة من النقد ان لم يكن بناءً ومبني على اسس علمية سليمة.

ولذلك فانني ارى واميل الى الرأي القائل بأن الاصل بالأجر انه اساسي وعلى صاحب العمل ان ناطح في ذلك اثبات عكسه، ولدي من الاسباب ما يبرر لي هذا التوجه وهي على النحو التالي:

بدايةً وقبل الخوض في اساس الموضوع اود ان اشير الى ان الغاية التي يجب ان يحرص القانون على تحقيقها هي التوازن العقدي بين طرفي الالتزام، ومن ثم فيما لو اخل طرف في ذلك بما له من سلطة اذعان على الطرف الاخر فيجب على المحكمة ان تعدل الشروط بما يعيد تحقيق التوازن العقدي الذي سعى القانون جاهدا الى تحقيقه للوصول الى الغاية الاساسية التي وجد من اجلها عن طريق اعتبار اي نص و\او شرط وجد في العقد مخالف للقانون ويوجد فيه تعسف فأنها تبطل الشرط ويبقى العقد صحيحا، فمثلا نجد الكثير من الاحكام القانونية جاءت منصفة للعامل على حساب صاحب العمل لكون الاول يعد هو الطرف الضعيف في علاقة العمل، وعليه واستنادا الى ذلك فانني ساسرد الاسباب التي استندت اليها لتبني الاتجاه آنف الذكر:

  1. طالما انه لا يوجد ارادة صريحة للمشرع لحل هذه المسألة فيتوجب علينا ان نلجأ في سبيل ذلك الى البحث في الارادة الضمنية له، حيث ان المشرع ومن خلال ما ذكر سابقا قد عمل على حماية من العامل من الضرر الواقع عليه من عدم استطاعته اثبات الاجر الحقيقي له والذي يحسب بناءً عليه مبلغ التعويض، فذهب الى نقل عبء الاثبات الى رب العمل وليس على العامل، وسندي في ذلك قانون العمل ولا سيما المادة الثانية عشر منه حيث انها الزمت صاحب العمل بأن يقدم الى مكتب العمل الواقع في دائرته ببيان شهري عن اسماء العمال وبياناتهم بما فيها اجورهم[6] ، والمادة (84) فقرة ج والتي نصت على " ان ينظم سجل خاص بالغرامات التي تفرض يتضمن اسم العامل ومقدار اجره واسباب فرض الغرامة عليه" وكون ان وسيلة الاثبات القاطعة الجازمة تجد ميلادها لدى صاحب العمل، وحيث ان وسيلة الاثبات القوية التي لها الكلمة الفصل موجودة بيده فاذا نازع بصحة الاجر الاساسي فيستطيع نفيها بكل سهولة ويسر من خلال ما كُلف به من قبل المشرع.
  2. ان القواعد المعمول فيها في تفسير نص غامض في قانون العمل من وجهة نظر الفقهاء لا تتعدى ان تفسر بما فيه مصلحة للعامل كونه انه هو الطرف الضعيف في العلاقة، او انها تفسر وفقا لما يحقق التوازن في علاقات العمل مما يهدد معه المصلحة العامة [7] ، وفي كلتا الحالتين فان هذا النص الغامض سواء تم تفسيره وفقا للرأي الاول فسوف يعتبر ان الاصل بالاجر انه اساسي، و اما وفقا للرأي الثاني فان صاحب العمل يعد هو الاقوى وهو من يقوم بتوثيق الحسابات و لكي نستطيع ان نحقق التوازن في العلاقة العمالية علينا اعتبار ان الاصل بالاجر انه اساسي الا اذا اثبت صاحب العمل الذي يعد هو الطرف الاقوى عكس ذلك.
  3. حيث ان الاصل في الاجر ان يكون مقابل نقدي او عيني متفق عليه بين الاطراف يدفعه صاحب العمل للعامل مقابل عمله والاستثناء وجود صورة من صور البدل او العلاوة، حيث انه لا يعمل جميع العاملين في اماكن خطرة او ساعات عمل اضافية.
  4. اعطى لنا القضاء حالة من الحالات التي ينتقل بها عبء الاثبات على صاحب العمل وهي حالة الفصل التعسفي حيث انها قضت في احدى احكامها"[8] على صاحب العمل ان يثبت سبب انهاء عقد العمل، وان يكون ذلك لاحد الاسباب المحددة بالمادتين 40 و 41 من قانون العمل على سبيل الحصر والا كان فصلا تعسفيا" فمن الممكن الاستعانة بهذه القاعدة القضائية للاستدلال بها على ان المشرع قد نقل عبء الاثبات في بعض الاحيان لرب العمل كونه الطرف الاقوى في اثبات والاجدر في اثبات ذلك.

مما سبق نستطيع ان نتبين ان هذا الموضوع شديد الاهمية، وينبغي ان نبذل فيه كل الجهود الممكنة، وان يحظى بكل العناية المتوفرة وكل الاهتمام المستطاع تقديمه، نظرا لوجود طرف ضعيف يتوجب علينا انصافه وحمايته على ان لا نخل بتوازن العلاقة العمالية التي هي جوهر قانون العمل والذي يسعى جاهدا لتحقيقها، وعلى القضاء كدور ثاني ان يراعي هذه المصلحة عند تفسيره لنصوص القانون وان لا يراعي مصلحة على حساب اخرى حتى لا تختل هذه القاعدة، واخيرا فان معالجة امور شائكة فعلا وموضع خلاف لكون المشرع لم ينص عليها ولم يعالجها بشكل ما واضح ما هو الا تطور كبير في عالم التشريعات ويساعد في التوصل الى بلورة فكرة نهائية قائمة على مبادئ العدالة والانصاف لكلا الطرفين.

الهوامش

[1]انظر الى نص المادة (120) من قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000.

[2] انظر الى المادة (1) من قانون العمل الفلسطيني.

[3] حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 281\2010 الصادر بتاريخ 19\4\2011.

http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/CJFullText.aspx?CJID=86819

حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم (652\2013) وحكم محكمة النقض رقم (661\2013) و حكم محكمة النقض رقم (667\2013).

والمشار اليهم في حطاب، مؤيد كمال: شرح قانون العمل الفلسطيني (غير منشور). ص111.

[4] نظر الى نص المادة (2) من قانون البينات الفلسطيني في المواد المدنية والتجارية رقم 4 لسنة 2001

[5] حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 884\2012 و 7\2013 الصادر بتاريخ 19\5\2015.

http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/CJFullText.aspx?CJID=98295

وحكم المحكمة العليا بهيئتها العامة رقم (4) لسنة 2015 الصادر بتاريخ 14\6\2015.

.http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/ShowDoc.aspx?ID=97954

حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 901\2013 الصادر بتاريخ 13\7\2015.

http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/CJFullText.aspx?CJID=97874

حكم محكمة النقض رقم 33\2014 الصادر بتاريخ 22\11\2016.

http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/CJFullText.aspx?CJID=97874

[6] المادة (12) من قانون العمل الفلسطيني " على كل صاحب عمل ان يوافي مكتب العمل الواقع في دائرة عمله ببيان شهري عن اسماء العمال وعددهم ووظائفهم وسنهم وجنسهم ومؤهلاتهم واجورهم وتاريخ التحاقهم بالعمل والوظائف الشاغرة لديه".

[7] حطاب، مؤيد كمال: مرجع سابق, ص 27-29.

[8] حكم محكمة النقض الفلسطينية رقم 94\2009 الصادر بتاريخ 30\9\2009.

.http://muqtafi.birzeit.edu/courtjudgments/ViewCJCard.aspx?CJID=58318


عدد القراءات: 1535