س: اتفقت مع المشتري على بيع شيء معين على أن يتم تقسيط  ثمنه على ستة أشهر، وبعد الشهر الثالث توقف المشتري عن دفع باقي الأقساط، فما أثر ذلك من الناحية القانونية؟


الإجابة ( للدكتور مؤيد حطاب):

فرقت المجلة الأثر المترتب على عدم تحقق شرط دفع الأقساط او الإخلال به بالنسبة للمشتري في حال كون المبيع في يد البائع، أو في حال كان المبيع في يد المشتري وبالتالي  قام المشتري بالتصرف في المبيع، على النحو التالي:

 

  1. إذا بقي المبيع في يد البائع

 

إذا لم يوفي المشتري بالأقساط المتبقية في ذمته للبائع، وكان المبيع في قبضة البائع، فإن ذلك يعني عدم تحقق الشرط مما يجعل من العقد فاسداً، ويترتب على ذلك حق البائع في فسخ العقد وزوال ملكية المشتري بأثر رجعي وتعود الملكية إلى البائع وكأنها لم تخرج من ملكه منذ إبرام العقد. وهذا ما نصت عليه (الْمَادَّةُ 314) من مجلة الأحكام العدلية، وهي القانون المدني النافذ في فلسطين، حيث ذكرت أنه: "إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَانَ الْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ النَّقْدِ فَاسِدًا". ويحق للمتعاقدين فسخ العقد الفاسد (الْمَادَّةُ 372: "لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ..") ، بالتالي تعود ملكية المبيع إلى البائع.

في هذه الحالة يكون للبائع الحق في التعويض وجبر الأضرار التي لحقت بالبائع نتيجة عدم قدرة البائع التصرف في المبيع خلال تلك الفترة، وضياع فرصة البيع أو نقصان الثمن بمرور الزمن. وفي غالب الأحيان يتم الإتفاق على شرط جزائي يدفعه المشتري إذا أخل بدفع باقي الأقساط وهذا هو السبب في إعطاء الحق للبائع الإحتفاظ بالأقساط أو بعضها، ويكون للقاضي سلطة تقديرية في الموازنة بين الأقساط المدفوعة والتعويض المستحق"الضرر".

 

 2- إذا كان المبيع  في المشتري ً:

إذا كان المبيع في قبضة المشتري بان سلم البائع المبيع إليه حكماً أو حقيقة، فإن عدم الوفاء بالشرط هنا يجعل من العقد فاسداً، ولكن  "الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفِيدُ حُكْمًا عِنْدَ الْقَبْضِ. يَعْنِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَارَ مِلْكًا لَهُ فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ الضَّمَانُ. يَعْنِي أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مِنْ الْمَكِيلَاتِ لَزِمَهُ مِثْلُهُ وَإِذَا كَانَ قِيَمِيًّا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ." (الْمَادَّةُ 371 من المجلة)

 

ومعنى ذلك أن عدم تحقق الشرط بدفع الأقساط بعد أن أصبح المبيع في حوزة المشتري، يجعل من العقد فاسداً، (الْمَادَّةُ 314 من المجلة: "إذَا لَمْ يُؤَدِّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ كَانَ الْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ النَّقْدِ فَاسِدًا" وأيضاً الْمَادَّةُ 376 من المجلة)، ومن حق البائع حينها أن يطالب بفسخ العقد والمطالبة بعودة المبيع(الْمَادَّةُ 376 من المجلة: "إذَا كَانَ الْبَيْعُ غَيْرَ لَازِمٍ كَانَ حَقُّ الْفَسْخِ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ"). ولكن إذا هلك المبيع فيكون الضمان على المشتري ببدل المبيع أو بقيمة المبيع.

 

كما أن تصرف المشتري بالمبيع سواء ببيعه إلى طرف ثالث، أو بالزيادة عليه أو النقصان منه تجعل من العقد لازماً، ويقتصر حق البائع في المطالبة بالثمن فقط. وهذا ما نصت عليه (الْمَادَّةُ 372) من المجلة حيث ذكرت أن: "لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إلَّا أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَوْ اسْتَهْلَكَهُ، أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ، أَوْ بِهِبَةٍ مِنْ آخَرَ أَوْ زَادَ فِيهِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ مَالِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا فَعَمَّرَهَا، أَوْ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا، أَوْ تَغَيَّرَ اسْمُ الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا وَجَعَلَهَا دَقِيقًا؛ بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ".

 

وبهذا انتهت محكمت النقض المنعقدة في غزة في حكمها في الدعوى الحقوقية رقم 74 لسنة 2004 فصل بتاريخ 2006/5/3، والمتعلق بمطالبة البائع في دعواه أمام محكمة الدرجة الأولى إلغاء الإتفاق على بيع الأرض وذلك لعدم تنفيذ الشرط المتفق عليه بالعقد وهو دفع الثمن بالموعد المحدد. حيث كان حكمها مايلي:

 

"وحيث أن الطاعن بالإضافة إلى ما تقدم يطالب بفسخ عقد الاتفاق على البيع المبرز م1 تنفيذاً للشرط المتفق عليه وهو أنه في حالة عدم الوفاء بكامل الثمن في نهاية شهر مارس سنة 1980 يعتبر العقد كأن لم يكن.

وحيث أن هذا الذي يطالب به الطاعن إنما يستدعي الرجوع إلى المادة 313 من المجلة  التي تفيد على أنه إذا تبايعا الطرفان على شرط أن يؤدي المشتري الثمن في وقت محدد وإن لم يؤده فلا بيع بينهما ((صح البيع بالرغم من وجود الشرط وهذا يقال له خيار النقد)) بمعنى أن العقد غير باطل ومنتجاً لجميع أثاره القانونية وأن التخلف عن تنفيذ الشرط بخصوص القسط الذي لم يدفع من الثمن لا يعد إخلالاً بالعقد بقدر ما هو إخلال بأثر من آثاره.

وقد بينت المادة 314 من المجلة  بأنه إذا لم يؤد المشتري الثمن في المدة المحددة في العقد المتضمن خيار النقد كان البيع الذي فيه هذا الخيار فاسداً وليس باطلاً وفي هذه الحالة إذا أدى المشتري الثمن إلى البائع في تلك المدة المحددة في الشرط أصبح البيع صحيحاً ولازماً أما إذا لم يؤد المشتري الثمن في تلك المدة المحددة بقى البيع فاسداً وكان لازماً ولا ينفسخ ويصبح القسط الأخير ديناً في ذمة المشتري وعليه أن يضمن دفعه للبائع ويبقى الخيار في فسخ العقد للمشتري وليس للبائع.

 وتفيد المادة 371 من المجلة أن البيع الفاسد إذا ما قبض المشترى المبيع بإذن البائع أو وكيله صراحة أو دلالة صار المبيع ملكاً له وتصرفاته كلها صحيحة، كما تفيد  المادة 372 من المجلة  بأنه زاد المشترى في المبيع شيئاً من ماله فلا يجوز فسخ البيع الفاسد ويبقى لازماً ولا يجوز فسخه والاسترداد فيه ويكون المشترى ضامناً ثمن المبيع فقط.

وحيث أن الثابت من الأوراق أن الطاعن سلم العقار للمشتري المطعون ضده منذ الاتفاق على البيع ثم تنازل مختاراً عن حقه في المطالبة بالقسط الأخير من الثمن في موعده المحدد في الاتفاق وتباطء في ذلك مدة تزيد على اثني عشر عاماً من تاريخ استحقاق القسط الأخير ونتيجة تباطؤه في ذلك ترتب للمطعون ضده على العقار حقوقاً مكتسبة كما هو ثابت في الأوراق لا يمكن إنكارها ترتب عليها زيادة في المبيع حصلت من المشتري المطعون ضده مما يتفق مع ما ورد في النصوص المشار إليها وما انتهت إليه محكمة الاستئناف في حكمها ولا يجدي بعد ذلك الطعن في حكم محكمة الاستئناف وإن الادعاء بوجود خطأ في تفسير القانون بجانبها غير مبرر ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه جاء على الوجه الصحيح مما يتعين رفضه."

 

 

وعلى ما تقدم يتضح أنه اذا فسد العقد بعد قبض المشتري، فإننا نكون أمام حالتين الأولى أن يكون المشتري لم يتصرف في المبيع بأي شكل فهنا يمكن للبائع فسخ العقد، أما إذا كان المشتري قد تصرف فيه فهنا لا يمكن فسخ العقد وتكون مطالبة البائع متعلقة بالتزام سداد الثمن فقط.

 

وفي القوانين المدنية العربية تم إدخال مبدأ أو قاعدة " الحيازة في المنقول سند الحائز". .ولم تنص مجلة الأحكام العدلية على هذه القاعدة لكن ما سبق شرحه دل على أن المجلة أقرت قاعدة بديلة وأوسع  وهي انتقال الملكية إلى المشتري بالقبض بالعقد الفاسد متى تناولته الأيدي. (المواد، 313-315، و 369-376 من مجلة الأحكام العدلية. أنظر أيضاً فرج ابراهيم سكر، الحيازة في المنقول كسبب من أسباب كسب الملكية "دراسة تحيلية مقارنه"، رسالة ماجستير، جامعة الأزهر، اشراف أ. د خليل احمد قدادة)


عدد القراءات: 9755