إعداد: تيماء زاهر ذياب - كلية القانون جامعة النجاح 
إشراف: الأستاذ جواد سلمان 


     ايرادات المقاصّة هي إحدى مخرجات بروتوكول باريس الاقتصادي المُوّقَع في العام 1994م  بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تسببت في اختلاف الوضع القانوني لمناطق السلطة الفلسطينية في تحصيل إيراداتها، وهي تعتبر نوع من الضرائب الغير مباشرة التي تحتل اهمية كبرى في الايرادات الضريبية الفلسطينية فهي تعد سبب ارتفاع في إيرادات الخزينة الفلسطينية من خلال استحواذها على ثُلُثَيّ إيرادات الحكومة، والاعتماد عليها بشكل رئيسي باعتبارها العمود الفقري في تمويل حاجات الشعب الفلسطيني وخدماته، وتغطية جوانب مهمة من الفواتير المستحقة على السلطة الفلسطينية (أهمها الرواتب). 
فبموجب البروتوكول تم تنظيم العلاقة بين التاجر الفلسطيني والاسرائيلي ودائرتيّ الضريبة وإيجاد ما يسمى بأموال المقاصّة من الضرائب على السلع الواردة للأراضي الفلسطينية من اسرائيل أو عبرها، تجبيها طواقم وزارة المالية الاسرائيلية نيابة عن الفلسطينيين ، وتحولّها للسلطة الفلسطينية بعملة الشيكل، وذلك بالاعتماد على فاتورة المقاصة التي تمَ استحداثها نتيجة التداخل والتشابك بين مناطق السلطة الفلسطينية والجانب الاسرائيلي ، والتي تعكس حركة التبادل التجاري بين الاراضي الفلسطينية والجانب الاسرائيلي فقط، ويكمن الهدف من وجودها في عدم الاعتراف بالبضائع المنقولة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الا من خلال هذه الفاتورة، وذلك بهدف تنظيم العلاقات الاقتصادية وحركة البضائع والسلع والخدمات سواءً القادمة أو الخارجة من البلدين، وبالتالي يتم معرفة استحقاقات السلطة الفلسطينية لدى الجانب الإسرائيلي من خلال عمل الاحصاءات اللازمة وفقا للمعلومات المتوافرة فيها، إذ أنّ هنالك نوعان من فواتير المقاصة التي يجري التقاصّ على اساسها وهي :
 (تكون من مشتغل فلسطيني الى مشتغل اسرائيلي) (P)فلسطيني ويُرمَز له بحرف   1. فاتورة المقاصة نوع 
 فهي فاتورة مبيعات من قِبَل المكلف الفلسطيني الى الجانب الاسرائيلي، وتحسب عليها ضريبة قيمة مضافة بنسبة 16 %، بحيث تَرِد ضريبتها لصالح الخزينة الاسرائيلية من خلال جلسة المقاصّة التي تتمّ بين الطرف الاسرائيلي والفلسطيني بنهاية كل شهر، عندما يذهب مدير عام الضرائب الفلسطيني لمقابلة مدير عام الضرائب الاسرائيلي في جلسة المقاصّة الشهرية، بحيث تكون متاحة باللغتين العربية والعبرية.
 (تكون من مشتغل اسرائيلي الى مشتغل فلسطيني) (I) 2. فاتورة المقاصة نوع إسرائيلي ويُرمَز له بحرف 
 فهي فاتورة مشتريات من قِبَل الجانب الاسرائيلي الى المكلف الفلسطيني، وتحسب عليها ضريبة قيمة مضافة بنسبة 17 %، وهذه تَرِد ضريبتها لصالح الخزينة الفلسطينية.

 وَكِلا الفاتورتين مكونة من نسخة أصلية وثلاثة نسخ من ورق مكربن، وتكون مطبوعة على ورق خاص في مطابع خاصة لدى الجانب الإسرائيلي. ويكون لهذه الفواتير أرقام متسلسلة لمنع تزويرها، بحيث يتم بعد تعبئة الفاتورة، تسليم الاصل والنسخة الاولى للمشتري (التاجر الاسرائيلي)، ويتولى البائع تسليم النسخة الثانية الى دائرة الضريبة، ويحتفظ البائع (التاجر الفلسطيني) بالنسخة الثالثة لديه، فعلى سبيل المثال : اذا كان هنالك طرفين (طرف فلسطيني وآخر اسرائيلي)، فان البائع (التاجر الفلسطيني) عندما يبيع بضاعة الى تاجر من الجانب الاسرائيلي، يقوم بإصدار فاتورة المقاصة ويسلمها للمشتري (التاجر الاسرائيلي) مع البضاعة التي يتم نقلها من فلسطين الى اسرائيل، ويعطي الفاتورة الاصل ونسخة عنها للمشتري، ويسلم نسخة من هذه الفاتورة خلال مدة 15 يوم لدى الدائرة الاسرائيلية حتى تتمكن المقاصة المركزية بالجانب الاسرائيلي من المطالبة بضريبة الفاتورة من الجانب الفلسطيني، ويحتفظ البائع بالنسخة الثالثة لديه. اما في حال كان البائع اسرائيلي فيتم اتباع نفس الاجراءات، ولكن يجب تسليم النسخة الخاصة بدائرة الضريبة الفلسطينية خلال مدة اقصاها 45 يوم من تاريخ اعدادها، وتقوم كل دائرة بتعبئة بيانات الفاتورة بكشف يُسَلّم للدائرة للختم مثل دائرة طولكرم مثلا، وتجمع كل دائرة من الدوائر شهريا مجموع الكشوف من الممولين، وتحولها بكشف لدائرة المقاصة المركزية، ليتمّ لاحقا تقاص مبالغ الضريبة المدفوعة بين السلطة الفلسطينية واسرائيل  في جلسة المقاصة الشهرية  التي تعقد آخر كل شهر، حيث يتم تحديد موعد الجلسة بالاتفاق بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وفي الجلسة تتم المطالبة من الجانبين، بحيث يحضّر كل طرف تقرير يتضمن تفاصيل الفواتير بالمبالغ التي تستحق له.
 والمُطلع على اتفاق باريس يجد بأن ايرادات المقاصّة تشمل مجموع ثلاثة أنواع من المدفوعات وهي: 
أولا: الضرائب المباشرة (ضريبة الدخل على أجور العمال في إسرائيل والمستوطنات) بحيث تمّ الاتفاق بموجب البروتوكول على ان يقوم الجانب الإسرائيلي بتحويل 75% من ضرائب الدخل المحصلة من العمال الفلسطينيين في اسرائيل، وكامل ضريبة الدخل المحصلة من العمال الذين يعملون في المستوطنات.
ثانيا: الضرائب الغير مباشرة على المشتريات من إسرائيل (ضريبة القيمة المضافة وضرائب الشراء وأية ضرائب أخرى تترتب على التبادل التجاري حصرا بين إسرائيل وفلسطين)، فبحسب البروتوكول " تقوم دوائر الضرائب الاسرائيلية بجباية ضريبة القيمة المضافة، وضريبة المحروقات (البلو) وغيرها، وتحويلها للسلطة الفلسطينية بعد اقتطاع 3% منها بدل خدمات الإيرادات المحصلة "، وتستند في ذلك على فاتورة المقاصة كسند اثبات ولغرض حسم الضريبة، وتكون الفواتير صالحة لمدة 6 اشهر من تاريخ إصدارها، ثم يجتمع ممثلون عن الجانبين مرة كل شهر(في اليوم العشرين من كل شهر)، ليقدّم كل جانب للأخر قائمة بالفواتير المقدمة اليه لإجراء المقاصة، على ان تسوّى مطالبات المقاصة في غضون 6 أيام من الاجتماع، ومن الجدير بالذكر هنا أنه نظرا لأن المطالبة الفلسطينية مشروطة بحسب النص بتوفير فاتورة المقاصة ، فان قيام التاجر الفلسطيني بالتغاضي عن تسليم فاتورة المقاصة للدوائر الضريبية المختصة في منطقته ، يكلف خزينة السلطة الفلسطينية مقدار الضرائب على هذه الفاتورة .
ثالثا: الجمارك والضرائب الغير مباشرة على المستوردات من الخارج التي تترتب على التبادل التجاري بين فلسطين والعالم الخارجي والتي تمرعن طريق المعابر الاسرائيلية، إذ تحصُل اسرائيل على عوائد الجمارك التي تُدفع على المستوردات الفلسطينية عبر الموانئ الاسرائيلية على أن يتم تحويل المبالغ إلى حساب السلطة الفلسطينية خلال 6 أيام من التخليص على البضائع المستوردة حتى وإن كانت عبرَ وكيل اسرائيلي مقابل رسوم 3 %، طالما كانت مناطق السلطة الفلسطينية هي المقصد النهائي لهذه الواردات. وكون أنّ مكان الاستهلاك هو الذي يحدد من له الحق في الجمارك المدفوعة، فهذا يعني انه حتى لو كان المستورد إسرائيلي ومقصد البضاعة هي أراضي السلطة الوطنية، فان الجمارك تكون من حق السلطة الفلسطينية. ولكن إذا قام تاجر فلسطيني بشراء بضاعة مستوردة من تاجر إسرائيلي بموجب فاتورة المقاصة العادية، دون أن يحدد مقصدها النهائي، فانّ السلطة تفقد حقها في الحصول على الرسوم الجمركية، اذ أنّ القيام بمثل هذه الممارسة يُفقد السلطة مبالغ طائلة لها حقّ فيها رَغم أنّ البضاعة استهلكت في أراضي السلطة الوطنية! ومن الجدير الإشارة الى أن التسويات الضريبية التي تتم على حركة التبادل التجاري ما بين فلسطين والعالم الخارجي عبر إسرائيل، تعتمد على البيان الجمركي كسند اثبات وليس على فاتورة المقاصة علما بأنّ كلتيهما يتم تحويل إيراداتها للخزينة الفلسطينية. فالتصدير والاستيراد في فلسطين يتم عن طريق البيان الجمركي أو المقاصّة، أيّ اما شراءً وبيعا لإسرائيل، أو أنّ البيع والشراء يمرّان عن طريق إسرائيل.
كما وتجدر الإشارة الى أنّ الية احتساب الجمارك تعتمد على الدخل المصرّح به للبضائع، بدلا من الدخل الفعلي للبضائع، فمثلا إذا كانت القيمة الحقيقية لبضاعة ما هي 10,000 ش، وكان المُصَرّح به هو 3,000 ش، فان إسرائيل تأخذ جمارك فقط على المُصَرّح به وهو 3,000 ش.

   الا أن هذه الإيرادات تتأثر عملية جبايتها سلبا في حال حصول صراعات بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، بحيث تستخدمها إسرائيل كسلاح مهدد للجانب الفلسطيني من خلال وقف تحويل المستحقات التي تجمعت لديها لصالح الحكومة الفلسطينية، مما يؤدي الى ازمة مالية يترتب عليها تأخر في استحقاق رواتب الموظفين الحكوميين.

  وعليه نجد أن اعتماد حكومة فلسطين في تحصيلها لأموال المقاصة على حكومة الجانب الإسرائيلي، هذا كرسّ من تَبَعِيّة الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل، وجعل فكرة الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل مُهِمّة شاقّة ومعقدّة إنْ لم تكن مستحيلة في ظل بروتوكول باريس! فضلا عن أثرها السلبي على الإنتاج المحلي، من خلال هدم التجارة والصناعة الوطنية مُقابل دعم وتطوير اقتصاد الجانب الإسرائيلي! ولعلّ السبب في ذلك يعود لتأثر هذه الإيرادات بعوامل عدة من أبرزها: استمرار التحكم الإسرائيلي بمفاتيح مدخلات ومخرجات الاقتصاد الفلسطيني، والذي جعل من السلطة الفلسطينية ما هي الا اداة تنفيذية لاهداف الاحتلال، بحيث اصبحت السلطة الفلسطينية غير قادرة لوحدها على تلبية الحاجات الفلسطينية الحالية والمستقبلية الا عن طريق الاتكّال على كَتِفْ إسرائيل! فما يُعانيه الاقتصاد الفلسطيني من ضعف وهشاشة، ما هو الا نتيجة حتمية لاتفاق باريس الاقتصادي. وهناك أمر مهم يغيب عن أذهان الكثير منا وهو أن أساس فكرة تبعية الاقتصاد الفلسطيني يتمثل بافتقار الاقتصاد الفلسطيني لعملة وطنية، بحيث يتم التداول بعملة الجانب الإسرائيلي (الشيكل) أو الدينار الأردني.
ولا يُعرَف في حال قرر الجانب الفلسطيني الانفكاك عن التبعية الاقتصادية لإسرائيل، والخروج عن بروتوكول باريس، كيفَ سيكون شكل الاقتصاد المحلي، وكيف ستدير الدولة أمورها الاقتصادية؟ فالتفكير بالانسحاب من اتفاق باريس هو تفكير غير مُجدي، كونَ فلسطين غير مستعدة للعمل من اجل بناء اقتصاد فلسطيني مستقل، بقدرما هي مهتمة فقط بالعمل على جباية إيرادات المقاصة، إذ أنّ على السلطة الفلسطينية أن تأخُذ بعين الاعتبار مصالح كافة فئات المجتمع الفلسطيني، وليسَ فقط اعتباراتها الخاصة! 
وفي هذا الموضوع  يرى الأستاذ جواد سلمان بأن العلة ليست بوجود اتفاق باريس الاقتصادي نفسه، فلا يمكن وبأي حال من الأحوال احتمال فرضية انفصال الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي؛ وذلك تبعاً للعوامل والظروف السياسية الخاصة بالوضع الراهن في المنطقة. بل يرى بأن الهدف الذي يجب أن تقوم عليه اتفاقية كبروتوكول باريس هو التعاون بين كلا الجانبين للوصول إلى نقطة اتصال اقتصادي قائمة على أساس فتح الأسواق والاقتصاد على صعيدين: الأول بين الجانبين والثاني بين السوق الفلسطيني الإسرائيلي الموحد والسوق الدولي. ولذلك يرى بأن اتفاق باريس كان يجب أن يحتوي على نصوص تتضمن التعاون الاقتصادي بين الجانبين على صعيد التجارة الداخلية والخارجية.

* هذا المقال هو ملخص لبحث قانوني قدّم استكمالاً لمتطلبات مساق المالية العامة والضرائب للفصل الأول 2018 / 2019 في كلية القانون بجامعة النجاح الوطنية
 


عدد القراءات: 1117