بقلم: د. نور عدس.


ظهر في الآونة الأخيرة وما زال مرض الإصابة بفايروس كورونا الذي نخر أثره في معظم دول العالم، وجعل هذه الدول تتخذ العديد من الإجراءات الوقائية والعلاجية محاولة السيطرة عليه ومنعاً لتفشيه بصورة أوسع. وبمعاصرة هذه الإجراءات وبالتحديد الوقائية منها يتبين أنها كانت موجهة إلى الأفراد لتأكد على أهمية وجود وعي لديهم لمنع أصابتهم بالعدوى، و/أو منع نقل العدوى لغيرهم في حال اصابتهم بالمرض. ولكن وعلى الرغم من تلك الإجراءات ما زال هناك العديد من الأفراد الذين لا يشعرون بالمسؤولية المجتمعية، ولا يدركون مدى خطورة مخالطتهم واحتكاكهم المباشر مع الأفراد. والخطورة تكمن عندما نفترض أن شخص يمكن أن يكون مصاباً بفايروس كورونا وما زال متجولاً بين العامة ناقلاً لهم العدوى سواء لأهل بيته أو لجيرانه أو لسائق سيارة التكسي التي يستقلها أو لصاحب المتجر الذي يشتري منه أو لموظف البنك الذي يتعامل معه وغيرهم ممن يخالطهم في حياته اليومية. فكيف يمكن أن يتم مسائلته جزائياً عما يفعله من أضرار بالأفراد الآخرين؟ أي السؤال هنا ما هي المسؤولية الجزائية التي تقع على كل من ينقل العدوى بفايروس كورونا إلى غيره؟

92560747_2594063070881825_9096130430960140288_n.jpg
د. نور عدس
أستاذ مساعد
كلية القانون
جامعة النجاح الوطنية

سوف أضع في هذا المقال عدة فرضيات للإجابة على هذا التساؤل، محاولة أن يشكل هذا المقال جزء من الوعي المجتمعي بأهمية الإلتزام بقواعد وإجراءات الوقاية والعلاج والحجر المنزلي ولتحقيق الردع لكل من يحاول مخالفة هذه الإجراءات:

 

الفرضية الأولى: المصاب بفايروس كورونا الذي لا يعلم بوجود الإصابة لديه.

 في هذه الحالة أفترض أن الشخص المريض لم يكن على علم بوجود الإصابة لديه، ولم يكن قد انتقل إلى مكان صنف بأنه مكان موبوء، في هذا الحالة لا يسأل الشخص عن نقل العدوى لغيره لانتفاء النية لديه والتي عرفها قانون العقوبات الأردني الساري في أراضي الضفة الغربية، بأنها:" إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون" وفقاً للمادة 63؛ أي أن الجاني لم يكن لديه علم بوجود المرض ولم تتجه إرادته لإحداث ضرر بغيره، ولم يكن لديه أي خطأ يسأل عنه.

أما على فرض أن الجاني كان قد أتى من مكان موبوء يغلب عليه انتشار المرض، ولم يكن على علم بإصابته بالفايروس واستمر بعملية الاحتكاك دون أن يراعي القوانين التي تنص على ضرورة الالتزام بالحجر المنزلي الاحترازي، ثم تبين أنه مصاب ونقل العدوى إلى العديد من الأفراد سواء من أهله أو غيرهم ممن تعامل معهم، فيسأل في هذه الحالة عن جريمة إيذاء غير مقصود، نتيجة ارتكابه لهذه الجريمة بطريقة الخطأ المتمثل بالإهمال والتقصير وعدم مراعاة القوانين ذات العلاقة، وفقاً لما قضت به المادة رقم (64) من قانون العقوبات والتي جاء بها:" ويكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الإهمال أو قلة الاحتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة".

ويعاقب في هذه الحالة هذا المريض بالحبس من شهر إلى سنة أو بغرامة من خمسة دنانيرإلى خمسين ديناراً وفقاً لما نصت عليه المادة رقم (344) والتي جاء في فقرتها الأولى أنه:" إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء كالذي نصت عليه المادتان 333 و335 ،كان العقاب بالحبس من شهر إلى سنة أو بغرامة من خمسة دنانيرإلى خمسين ديناراً".

ولكن لو لم تقتصر حالة من نقل لهم العدوى على مجرد الإصابة بالمرض ثم التعافي، وإنما حدثت لهم وفاة بسبب هذا الفايروس فيصبح ناقل العدوى مسؤولاً عن جريمة قتل غير مقصود ويعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات خلافاً لأحكام المادة رقم 343 من قانون العقوبات والتي تنص على:" من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات".

 

الفرضية الثانية: المصاب بفايروس كورونا الذي يعلم بوجود الإصابة لديه.

أفترض في هذه الحالة أن المصاب بالفايروس على علم مسبق بوجود الإصابة لديه، وفي هذا الصدد عندما نقل العدوى إلى غيره، أتسائل هل كان قاصداً نقلها إلى غيره أو لم يكن لديه سوء النية أو خطاً يذكر؟

فيما يتعلق بحالة حسن النية لدى المريض الذي لم يكن قاصداً نقل العدوى لغيره ولم يخطأ أيضاً؛ حيث لم يقصر أو يهمل في مراعاة الإجراءات الصحية وملتزم بما تمليه عليه القوانين التي تبين أسس العلاج والحجر الصحي، فلا يسأل في هذه الحالة جزائياً عن نقل العدوى لغيره.

ولكن إذا توافر للمصاب سوء نية وقصد نقل العدوى لغيره من خلال القيام بسلوكيات مقصودة يهدف من خلالها إلى ايذائه عن طريق نقل الفايروس له كأن يقوم بالعطس أو البصق على غيره من الأشخاص أو تعمد استخدام أغراضهم الشخصية أو مصافحتهم أو تقبيلهم أو تناول الأكل والشرب معهم فيسأل المصاب عن جريمة إيذاء مقصودة يعاقب عليها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وفقاً لما نصت عليه المادة رقم 333 من قانون العقوبات والتي جاء بها:" كل من أقدم قصداً على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه بأي فعل مؤثر من وسائل العنف والاعتداء نجم عنه مرض أو تعطيل عن العمل مدة تزيد على عشرين يوماً، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات". وإذا لم يصاب المجني عليه بتعطيل يزيد عن 20 يوم تصبح العقوبة الحبس من أسبوع حتى سنة أو الغرامة من خمسة إلى خمسة وعشرين ديناراً أو بكلتا العقوبتين وفقاً لما نصت عليه المادة 334 من قانون العقوبات.

وإذا نتج عن تلك الإصابة للمريض مستقبل العدوى حاجة لقطع أو استئصال عضو أو تعطيل حاسة عن العمل كأن تتعطل رئة المصاب فتصبح العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة من 3 إلى 10 سنوات وفقاً للمادة 335 من قانون العقوبات. وإذا كان قصد الجاني متجهاً إلى إلايذاء فقط لكن توفي المجني عليه مستقبل العدوى بسبب هذه الإصابة عوقب الجاني بالأشغال الشاقة المؤقتة من 5-15 سنة وفقاً للمادة 330 من قانون العقوبات.

وعلى فرض أن الجاني كان قاصداً من عملية نقل العدوى قتل الشخص الأخر فيسأل عن جريمة قتل مقصود وفقاً للمادة رقم 326 من قانون العقوبات ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤقة 15 سنة، في حال لو مات المجني عليه، والتي تنص على:" من قتل إنساناً قصداً، عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة"، وإذا لم يمت يسأل عن الشروع بالقتل وبالتالي يعاقب بعقوبة أقل من العقوبة الأصلية.

وتخفض هذه العقوبات إلى النصف في حال لو اشترك في إحداث النتيجة المذكورة سبب أخر (كمرض الجاني بالسكري أو بالسرطان أو بالقلب أو بالالتهاب الرئوي وغيرها من الأمراض العضوية) وكان الجاني لا يعلم بوجود هذا المرض، وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة 345 من قانون العقوبات. وعلى العكس لو كان على علم بوجود المرض العضوي لديه فتبقى عقوبته كاملة.

أما إذا لم يكن الجاني ناقل العدوى قاصداُ نقلها إلى غيره ولكن أصيب الغير بالفايروس نتيجة مخالطته مع هذا المريض ونتيجة عدم مراعاة الأخير لقواعد الحجر والقوانين السارية وإهماله وتقصيره في درء نقل العدوى إلى غير فهناك احتمالين، الإحتمال الأول مسائلته على جريمة غير مقصودة وفقاً لما سبق القول سواء كانت جريمة قتل أو إيذاء، أما الاحتمال الثاني والذي أرجحه هو مسائلته عن جريمة مقصودة تتمثل بالإيذاء المقصود أو القتل المقصود (حسب النتيجة الحاصلة)، وسبب ترجيح الاحتمال الثاني هو وجود قصد احتمالي عند الجاني نشأ من خلال توقعه نتيجة عمله الضارة، وقبوله المخاطرة من خلال معرفته أن الفايروس الذي يحمله سريع الانتشار، رغم عدم توجه قصده مباشرة لإحداث هذه النتيجة الضارة، وهذا ما نصت عليه المادة 64 من قانون العقوبات بقولها:" تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة...".

 

الفرضية الأخيرة: المصاب بفايروس كورونا الذي يعلم بوجود الإصابة لديه والذي قصد احداث ذعر لدى الناس.

يمكن التصور بهذا المجال أن الجاني المصاب بفايروس كورونا كان عالماً باصابته وخرج إلى الناس العامة المتواجدين في المحلات المختلفة، وأخبرهم بوجود المرض لديه وحاول الاقتراب منهم بقصد اثارة الرعب والذعر وإخافتهم بما يحدث خطر عام، ففي هذه الحالة يمكن اعتبار فعل الجاني فعل إرهابي، وبالتالي يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من 5 إلى 15 سنة، وتصبح عقوبته اعدام (لكنها تستبدل بالسجن المؤبد لعدم تطبيق عقوبة الإعدام في أراضي الضفة الغربية) في حال لو نتج عن فعله موت إنسان خلافاً لأحكام المواد 147 و148 من قانون العقوبات.

وبهذا تكون المسؤولية الجزائية عن نقل العدوى من قبل المصاب بفايروس كورونا خاضعة للأحكام العامة في قانون العقوبات لجرائم القتل والإيذاء وفقاً لما وضح سالفاً. ولا بد من التنويه أن هذه المسؤولية الواردة في المقال لا تلغي المسؤولية الجزائية التي تفرض على المريض ناقل العدوى نتيجة مخالفته قواعد الحجر الصحي.

لتحميل المقال : اضغط هنا.


عدد القراءات: 1341